
الاخبار: علي عواد
حوّل «تسلا» من أيقونة التكنولوجيا إلى ضحية جنون اليمين. انهيار في المبيعات، حرق للسيارات، وأسهم تهوي. هل قتل ماسك شركته بيده؟
يبدو أن إيلون ماسك قرّر خوض واحدة من أغبى المقامرات في تاريخ الشركات الكبرى: تحويل شركته للسيارات الكهربائية «تسلا» من درة تاج أميركا في التقدم والتكنولوجيا إلى دمية في سيرك اليمين المتطرف. والنتيجة؟ كارثة تجارية غير مسبوقة، إذ تتعرض الشركة لانهيار في المبيعات، وتراجع في الأسهم، وحتى هجمات على سياراتها ومعارضها حول العالم.
دائماً ما جذبت «تسلا» قاعدة عملاء يسارية التوجه، من محبي البيئة والمستثمرين في المستقبل الأخضر. كانت السيارة بالنسبة إليهم مانيفستو سياسياً ضد الوقود الأحفوري، ووساماً للأفكار التقدمية: أن تملك سيارة «تسلا» في أميركا وتسير بها في شوارعها الواسعة، كان يمكن اختصاره بأنك ديموقراطي تحاول أن تغفر ذنوب أجدادك البيض بحماية طبقة الأوزون من الثقب.
لكن فجأة، قرر ماسك أن يمسح كل هذا، متحولاً إلى بطل لليمين الشعبوي ومستخدمي العملات المشفرة للقوميين. النتيجة؟ كتابات على السيارات تصف ماسك بالخائن، وزبائن قدامى يبيعون سياراتهم احتجاجاً، وعمليات حرق لسيارات الشركة في الشوارع (وضع بعضهم ملصقات على سياراتهم تقول:
«اشتريت هذه التسلا قبل أن يصبح ماسك مجنوناً» في محاولة لمنع تكسيرها أو إحراقها). الأرقام لا تكذب.
انخفضت مبيعات «تسلا» بنسبة 45 في المئة في أوروبا، و70 في المئة في أستراليا، و49 في المئة في الصين. هذه ليست «فترة ركود» عابرة، بل ذبح ذاتي للعلامة التجارية، لمجرد نزوة أيديولوجية يعيشها ملياردير نابغة شُبّه للناس على أنه شخصية توني ستارك (الرجل الحديدي) في «كوميكس مارفل».
لعل هذه الفقرة تلخّص كل شيء، فمن المعلوم أنّ جمهور اليمين الذي يحاول ماسك استمالته لا يريد سيارات كهربائية أصلاً! قاعدة اليمين المحافظ في أميركا سخرت من السيارات الكهربائية لسنوات، معتبرة إياها جزءاً من أجندة التغير المناخي «المؤامراتية»، وهي السردية نفسها التي يرددها ترامب على مسامعهم في كل مرة.
ويفضل هؤلاء شراء شاحنات عملاقة تعمل بالوقود، والتباهي بتعديلات تجعلها «تنفث الدخان» نكاية في التقدميين. فكيف ظنّ ماسك أن هؤلاء سيشترون «تسلا»؟
حتى مع دعم الرئيس السابق دونالد ترامب العلني، وإقامته مؤتمراً صحافياً أمام البيت الأبيض متعهداً بشراء «تسلا»، لم يترجم ذلك إلى مبيعات. بدلاً من ذلك، انخفضت أسهم الشركة بنسبة 40 في المئة منذ بداية العام، وخسر ماسك 150 مليار دولار من ثروته الشخصية.
هذه ليست المرة الأولى التي يُخرّب فيها ماسك علامة تجاريةً ناجحة. عندما استحوذ على «تويتر» في نهاية عام 2022 (أعاد تسميته إلى «إكس» بشكل سخيف)، قرر إزالة العلامة الزرقاء المجانية، وتحويلها إلى رمز «ولاء» مدفوع الأجر.
المفاجأة؟ لم يدفع سوى القليلين، وتحول «إكس» إلى مكبّ عفن يحوي كل ما هبّ ودبّ من التضليل والفوضى، بعدما صارت المصداقية تُشرى بالدولار. الآن، يرتكب ماسك الخطأ نفسه مع «تسلا»، ظناً منه أنه قادر على تغيير جمهورها كما غيّر «تويتر» (هاجر مستخدمو التطبيق الأصليون إلى BlueSky، والمنصة تتعاظم في المناسبة). ولكن السيارات ليست سوشال ميديا، والزبائن الحقيقيون ليسوا حسابات رقمية يمكن إسكاتها.
أمام كل هذا الانهيار، يحاول ماسك تهدئة المستثمرين بوعده المعتاد: «الروبوتاكسي قادم!» لكن لنكن واقعيين، هذا الادعاء أصبح نكتة متكررة. منذ عام 2019، يكرر ماسك الكذبة نفسها عن أن سيارات «تسلا» ستصبح ذاتية القيادة بالكامل في «السنة المقبلة». حتى الآن، لم يتحقق شيء، ونظام القيادة الذاتية في «تسلا» لا يزال يتطلب تدخل السائق، ما يعني أن «أسطول سيارات التاكسي ذاتية القيادة» مجرد سراب.
في ظل هذه الأزمة، بدأ بعض المستثمرين يطالبون بإقالة ماسك، على أمل إنقاذ جزء من أموالهم التي تلتهمها انهيارات الأسهم. يؤكد المحللون أنّ الشركة بحاجة إلى قيادة جديدة، شخص لا يستهلك وقته في معارك «إكس» التافهة أو حملات سياسية تضرّ بالمبيعات. لكن السؤال الحقيقي: هل يمكن إزاحة ماسك من شركته الخاصة؟ أم أنّ «تسلا» ستظل رهينة لرجل يفضّل استعداء زبائنه على بيع السيارات؟
خسائر «تسلا» هي سقوط الرهان على جماهير اليمين المدمنة على رائحة البنزين، بعدما تخلى ماسك عن جمهور التقنيين والمستثمرين الذين صنعوا مجده.
والنتيجة؟ حوّل «تسلا» إلى ساحة معركة أيديولوجية، حيث تحل الشعارات العنصرية محل البرمجيات المتقدمة، ويتفوق جنون نظريات المؤامرة على أبحاث البطاريات.
وبينما تتهاوى أسهم «تسلا» مثل صاروخ «ستارشيب» (تنتجه شركة ماسك الأخرى «سبيس إكس»)، يبقى السؤال: هل كان ماسك عبقرياً حقاً، أم مجرد فقاعة نفختها التغريدات على «تويتر»؟